آسف!

 
كنتُ أظنُّ فيما مضى أن كثرةَ الاعتذار من علامات ضعف الشخصية. عندما أقول “آسف”، فإني أقرُّ بخطئي، وأعترف بتقصيري، وأبرهن لمن هو أمامي أنّه على صواب، وأنّه قد ربح هذه الجولة، فأنا قد أعلنتُ بـ “آسف” خسارتي.
 
لكن مع مضيّ السنين، اكتشفت أنّ الموضوع ليس معركةً كما كنتُ أظن، وأنَّ “آسف”: علاج! تنهي أكثر المشاكل، وتحلّ أكثر الأزمات. إذا اتجهت إليك أصابع الاتهام في موضوع ما (في عملك، مع أصدقائك، في بيتك ومع زوجتك)، فإنّ الدخول في جدالٍ عقيمٍ لن يقوم بحلّ المشكلة. كبرياؤك لن ينهي الحوار، ولن يوصلك إلى أيِّ شيءٍ جيد. عنادك قد يعطيك شعوراً أنّك قد ربحت الجولة، لكنّك -يا عزيزي- قد خسرت المعركة
 
من قناعة: أقول لكم بأن أكثر الحوارات والمشاكل لا تستحق العناد. تسجيلُ موقفٍ بالرّفض أو الشجب والاستنكار، لن يزيدك شيئاً. محاولة التغيير لا تحدثُ أبداً في حرارة النقاش. إن كنت تريدُ -فعلاً- أن تحدث التغيير، فإن تجنّب العناد هو الحل، والحديث عن الموضوع لاحقاً -عندما تهدأ الأمور- سيكون أكثر حكمة وفائدة.
 
اكتفاؤك بـ “أنا آسف” كفيلٌ بحلّ كثيرٍ من مشكلاتك، وإنهاء كثيرٍ من الحوارات المزعجة. إنها لا تكلّفك شيئاً. صدقوني، كرامتكم محفوظة، لا تسقط أو تنقص باعتذاركم. بالعكس، الاعتذار يأتي من ثقةٍ بالنّفس، واعتزاز بالذات. فقط الواثقُ من ذاته هو من يعتذر، لأن اعترافك بالخطأ لا يعني أنّك أقلُّ مصداقية، أو أضعفُ شخصيّة، فرأيُ النّاس فيك لا يهم “دائماً”، والإنسان ليس معصوماً من الخطأ. 
 
please-accept-my-apologies
 
انظر للمواقف التي اعترفت فيها بخطئك، واعتذرت من تقصيرك، تذكّر كيف جرى الحوار بعدها! من الصّعب أن يستمرّ الذي كان يلومك بالتوبيخ، فـ “آسف” كفيلة بإخماد نيران الغضب.
 
عوّد نفسك على الاعتذار من أي أحد أخطأت في حقه، أو إن قصّرتَ في مهمّة، أو تجازوت في ردّة فعل. لا بأس، فـ “آسف” ليست نهاية الدنيا. يجبُ أن نعوّد أبناءنا على الاعتذار، ونتوقف عن زرع الغطرسة في دواخلهم. لكن يجب أن نكون حذرين مع الآطفال، فالإسرافُ في الاعتذار قد يقودهم إلى ضعف الشخصية، لإعتقادهم بأنّ كلّ ما يقومون به خطأ، وأنهم في فشلٍ مستمر. فالحذر مطلوب، لا إفراطَ ولا تفريط.
 
شخصيّاً، خلصتني “آسف” من كثيييييير من المشاكل، وأنقذتني من كثيييييرٍ من النقاشات الطويلة. أنصحكم بالاعتذار أكثر، ففي “آسف” مع نظرةٍ واثقة، الكثير من راحة البال.
 
دمتم بخير 🙂
 
 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.