نشوة الإنجاز

أسعد الله أوقاتكم باليمن والبركات.

انقطاع ليس بالقصير بعد #تحدي_أبريل و التدوين لمدة ثلاثين يوم متواصلة. لعله عود حميد بتدوين منتظم بإذن الله.

عشت قبل فترة تجربةً جميلة لمحاولة إحداث فرق في مجال عملي، تكللت بالنجاح ولله الحمد، نجاح جاء نتيجة لشهور طويلة من العمل المضني، والسباحة عكس التيار. في كل بيئة عمل هناك معوقات للإنجاز وإحداث التغيير، قد تكون في الأشخاص والكوادر، التجهيزات والإمكانيات، في السيولة المالية، أو بأي شكل آخر، هي بالنهاية معوقات وعقبات تحول دونك ودون الوصول لهدفك المنشود. من السهل جداً أن تركن لـ “صندوق الأعذار” وتكتفي بتقديم الحد الأدنى من جهدك ووقتك، وتترك “الدرعا ترعى”. ومن الممكن كذلك أن تقاوم هذه العقبات لتصل لما تريد. في رأيي: اختيارك يحدد هويتك، ويؤثر كذلك على حالتك النفسية داخل وخارج عملك ووظيفتك، أو أيّاً كان المكان الذي تحاول إحداث الفرق فيه.

هل أنت ملامٌ إذا استسلمت؟ هل تعتبر مقصراً؟ لا أستطيع الجزم، لكني أجزم بأنك المستفيد الأول والأخير في هذه المعادلة الصعبة. النشوة التي تصحب الإنجاز، والإضافة التي أحدثتها في هذه البيئة، ستجعل منك شخصاً أكثر سعادة وإيجابية وإقبالاً على الحياة.

ستجد في طريقك من يحفر لك لتقع، ومن يبحث بجد عن معوقات لنجاحك، ومن يقلل من حجم إنجازاتك، لكن كل هذه الشوشرات والتنغيصات لا تهم ما دمت تعمل بناء على أهدافك المرسومة مسبقاً، وما دامت بوصلتك تشير دوماً إلى الشمال.

طبعاً يجب أن تكون ذكيّاً في بذل الجهد والعمل، وكما يقول الخواجات “Pick your battles”، لا تحاول أن تصلح كل شيء، فلكل إنسان طاقة ثابتة، ومخزون محدد من الجهود، من المحزن أن توجهها في مكان أو وقت خاطئين.

ما أريد أن أقوله: لا عذر للتقاعس والمتقاعسين، وهناك -دوما- مجال لإحداث الفرق.

دمتم بخير 🙂

التدوينة الثلاثون :)

كأنها البارحة عندما اتصل بي @Akhmees ليخربني عن فكرته الغريبة في الكتابة كل يوم (#30يوم_تدوين). أول فكرة خطرت على بالي يومها “من خبل يلتزم 30 يوم؟“. لكني أحب تجربة الأشياء الجديدة، وأردت أن أخوض التحدي.

بدأت في التدوين في عام 2011، حينما كان في الدنيا سعة من الوقت، ورخاءٌ في الجهد والطاقة. لكن ومع مرور السنين، أجدبت المدونة وأقحطت. نسيت أني في يومٍ كنتُ أكتب. وموافقتي على التحدي هي لأني “أذكر” أني أكتب، وكنت أستمتع بالكتابة أيضاً. فقلت: لا عيب في التجربة، والانسحاب سهل!

بداية التحدي كانت صعبة بحق، الالتزام اليوميّ كان قاتلاً. إن وُجد الوقت، غابت الفكرة. وإن أمسكت الفكرة، تاهت الحروف. لكن مع مرور الوقت، سهلت المهمة، وصار جلوسي على اللابتوب للكتابة يعدّ الوقت المفضل من يومي.

سأكتب ما أعجبني في التجربة على نقاط:

  • إلزام النفس وعسفها على عادة جديدة، هي تربية وتعويد. إخبار لنفسك أنك قادر على فعل ما تريد، القرار عندك، والتحكم في يدك.
  • فتحت لي الكتابة مناطق في عقلي لم أزرها منذ وقت طويل. أفكار قد ودعتها، واهتمامات قد أهملتها.
  • حثتني الكتابة على الاطلاع. لكي أكتب عن شيء، فمن المفترض أن أقرأ أو أسمع عنه. وخير دواء للقارئ العليل: هي الكتابة.
  • رجعت بالكتابة للماضي الجميل. اكتشفت كنزاً من كتابات الماضي المخبّئة. أفكارٌ رائعة، وخواطر جميلة، وحروفٌ عذبة “بالنسبة لي”. كنت قد استودعتها الدفاتر أو ملفات الملاحظات، لكي أزورها بين الحين والآخر، لكنّي مع نسيان الكتابة، تهت عنها، وتاهت عني. عودتي لها كانت من أجمل اللحظات لي في هذا العام.
  • تعرفت على أصدقاء وصديقات رائعين ورائعات. يجمعنا حب الكتابة، وإن اختلفت الأفكار أو الأساليب. نحن في حاجة إلى مجموعة من الأشخاص يشاركوننا نفس الاهتمامات، فهذا شيءٌ صحيّ ومفيد.

النقاط كثيرة، والأفكار لا تنتهي. ملخص التجربة: سعيد بالانضمام، وفخورٌ بالإنجاز. كتبت لـ ثلاثين يوماً بانتظام، أكثر من أي كتابة قمت بها فيما مضى. شكراً لمن بادر، وشكراً لمن دعم واستمر. سيكون هذا التحدّي بداية لكتابة منتظمة بإذن الله.

ممتن لكم جميعا.

ودمتم بخير

فضاوة!

قبل قرابة الأسبوعين خضعتُ لعملية جراحية، والآن أتمتع بفترة النقاهة. الإرشادات الطبيّة بعد العمليّة تحتم عليّ الراحة وتجنب العمل الزائد لأطول فترة ممكنة. فيما عدا ذلك، فالأمور تمام، وكلش زين الحمد لله 🙂

لكن مع فترة النقاهة “التي لم أحسب حسابها”، بدأ الملل يتسلسل إلي بشكل رهيب. الجدول عبارة عن جلوس، وأكل، أفلام، ونوم، ولقاءات محدودة مع بعض الأقارب والزملاء. جزءٌ قلييييل جداً من الإنجاز، والنشاط البدني. أعرف أنها فترة محدودة، لكنها بدأت تزعجني.

لا بأس بشيءٍ من الجلوس واللاإنتاجيّة بين الحين والآخر، بل هو شيءٌ مطلوب، لإعادة شحن الذات، واستقراء ما مضى وما سيأتي. لكن أن تطول هذه المدة، أو أن تتمكن من حياتك لتكون عادة مستمرة، أن تعتاد على ألا تكون منجزاً، وجودك كعدمه، كصفر على الشمال، فالبنسبة لي هذا شعور مخيف ! ازداد الأكل، وتشقلب جدول النوم، وسيطر الكسل والخمول على كل أجزاء جسمي. أكره هذا الشعور. المشكلة في هذه المرحلة أنها كالدوامة، الخروج منها صعب، وكلما ازداد وقت جلوسك فيها، كلّما تأقلمت واعتدت على وجودك فيها. كلما طال مكوثك في هذه المرحلة، أصبح رفضك أكثر، وجهدك أقل “ويزول مع الوقت”، وإحساسك بالإجهاد والإرهاق أسرع.


حقيقةً: غاب عن بالي أن أقوم بالاستعداد لهذه الفترة. كان من الفترض أن أجهز لها قائمة بالأعمال التي أستطيع إنجازها وأنا في فترة التعافي. لا بأس بأن تكون بسيطة أو سخيفة، بالعكس، قد يكون ذلك مناسباً جداً، لأن بعض المهام المؤجلة، لن يتم إنجازها إلا في مثل هذه الأوقات والظروف.

أخرجت ورقة وقلماً، وقمت بتسجيل بعض المهام البسيطة للأسابيع القادمة. قليل من تحريك العقل والبدن كفيل بإعادة النشاط من جديد.

دمتم بخير 🙂

المثاليّة أو الواقعيّة ؟

عشتُ لوقتٍ طويل في الماضي متعلّقاً بأفكارٍ ومبادئ مثالية. أنظر للعالم بعدسة ملوّنة. كلّ شيءٍ جميل، وكل الناس رائعون. أهدافي مثاليّة (فيها جزء من اللاواقعيّة)، وتوقعاتي من العالم والبشر من حولي عالية. أعيش على سحابة مرتفعة، بعيداً عن مشاكل الدنيا وإرهاصاتها، أحاول أن أصغّر السلبيات وأقلل من حجمها، وأكبّر الأشياء الجميلة، وأقترب من الأشخاص الجميلين. كنتُ أعيش في مثاليّة بحتة، وتفاؤل مطلق.

بالحديث عنها هكذا: لا بأس! التفاؤل جميل، والمثاليّة رائعة. لكن مع مضي الوقت، ودخولي في معمعات هذه الحياة، بدأت أدرك أنّ البقاء على المثاليّة، والسعي لها، ومحاولة تحقيقها، هو شيءٌ صعب، قد يهدم روحي، ويضعني -وجهاً لوجه- مع الكثير من خيبات الأمل. التفاؤل جميل، والمثاليّة رائعة، لكن بحدود !

من يومها وأنا أعتنقُ مبادئَ أكثر اتزاناً وواقعيّة. أرى الأمور بعدسة المنصف، وأحكم على الأشياء بناء على المعطيات المتوفرة لدي، لا على الطموح والأحلام. لأصدقكم القول، خفّت ألوان الحياة في نظري، وبدأت بتغيير بعض أهدافي وطموحاتي لأخرى أكثر واقعيّة، وأقل خيالاً ومثاليّة. حققتُ راحة نفسيّة ورضى بواقعي أكثر مما مضى، وخيباتُ أملي بالواقع والحياة أصبحت أقل.

بين الحين والآخر، يراودني هذا السؤال: هل يجب أن أعود للمثاليّة من جديد؟ هل يجب للحياة أن تتلوّن أكثر في ناظري؟ أتردد -جيئة وذهاباً- على هذا السؤال، وفي كلّ مرة يزداد التردد.

أحد مبادئي في هذه الحياة أيضاً: التوازن. الاعتدال في كل شيء هو من نعم الحياة. التطرّف “يميناً أو يساراً” لا يأتي بخير، في أيّ شيء. بدأت في تحقيق هذا التوازن في نظرتي للأمور. لا عيب في أن أعيش “مثالياً” لتحقيق أهدافي، بشرط ألا أنجرف في هذه المثاليّة، وأن أجعل الواقع والمعطيات الحاليّة نصب عينيّ.

نحتاج في حياتنا لأشخاصِ يحملون النقيضين: شخصٍ مغرقٍ في التفاؤل، وآخرَ شديد الوقعيّة. الأول سيحملنا على التفاؤل والحلم والطموح، والآخر سيبقينا بعيداً عن الأحلام اللامنطقيّة، وسيحمينا من خيبات الأمل، لأن أحلامنا كانت فوق المطلوب. لحياةٍ رائعة: أؤمن بأننا يجب أن نحمل العدستين في آن الوقت، لكي لا نركن إلى الواقعيّة، فندخل الرتابة والروتين والإحباط والتشاؤم. في ذات الوقت، نحتاج إلى تلك العدسة الأخرى لتبقي أحلامنا وطموحاتنا عالية ومرتفعة.

احرص على أن تحصل على “المثالي” و “الواقعي” في حياتك، فكلاهما مفيد، ولكل منهم زمانٌ ومكان.

دمتم متفائلين، بواقعية 🙂

حسد ؟

عندما يبدأ نجم شخصٍ بالصعود، تنتشرُ إنجازاته، وتُعرض نجاحاته، فإنّ ردّة الفعل الطبيعيّة أن تعمّ الفرحة على كافة فريق العمل والدائرة المحيطة به. نجاح شخصٍ في مكانٍ معيّن، هو إعلانٌ لنجاح كافة القطاع أو الفريق الذي عمل معه. في هذا الزمان: لا مجال للأعمال الفرديّة والجهود الأحاديّة. الآن كل عملٍ يتمُّ إنجازه، هو نتيجة للكثير من الخبرات والإنجازات من فريق عمل كبير جداً. كل شخص من فريق العمل له دورٌ في الوصول إلى ذلك النجاح “مهما كان ضئيلاً”. من المستحيل تحقيق ذلك الإنجاز دون تضافرِ كافّة الجهود.

بعد هذه الديباجة في أهميّة فريق العمل، فإنّي أتسائل! لماذا إلى الآن -في مجتمعنا- نجدُ صعوبةً في اعتبار نجاحات الآخرين، كجزءٍ من نجاحاتنا. مهما أنكرنا هذه الظاهرة فهي للأسف حقيقةٌ مرّة. في كلّ قطاع، هناك معوقات للوصول إلى أهدافنا، لكنّي أرى أن هذه المعوقات موجودة في مجتمعنا أكثر من غيره. لا بدّ أن كلّ شخصٍ منا قد مرّ يوماً بتجربةٍ مشابهة. أن تكون متحمساً لفكرة أو مشروع معيّن، وتبدأ بتطبيقها مع فريق عملٍ معين، وخلال المشوار تواجه الكثير من العقبات “من داخل وخارج الفريق”، منشؤها شخصيّاتٌ معادية ومثبّطة، تحاول أن تقلل من قدر إنجازك، أو تمنعه من الظهور لهذا العالم!

الحسد، هو الأصل لكل هذه المشاكل. المفارقة أنّنا نستمدُّ مبادئنا من دينٍ قويمٍ نبذ هذه العادة السيئة، وحذر منها، وجعلها من كبائر الذنوب. ومع ذلك لا نزال نرى مظاهر هذا الحسد في كلّ يومٍ من حياتنا. هذا في تويتر، يحرق الهاشتاق بتعليقات لا مسوّغَ لها، على شخص منتجٍ يسعى لرفعة الوطن. وذاك في مقال صحفيّ، يُؤلبً الرأي العام على ذاك الشخص المبدع الذي يسعى لرفعة الدين. وغيرهم الكثير. لم يدركوا أن نجاح كلّ شخصٍ في هذا البلد، هو نجاح للبلد أجمع.، وكلّ إنجازٍ يتم تسجيله باسم ديننا، هو رفعةٌ للمسلمين في كلّ مكان.

يؤسفني أننا نجد -أحياناً- الدعم والتشجيع من مجتمعٍ آخر، ومن ديانةٍ أخرى، أكثر مما نجده من أبناء هذا البلد. لا أحاول أن أكون مأخوذاً بالدول المتقدّمة، ومفتوناً بالغرب ناقماً على بلادنا، لكنّها للأسف حقيقةٌ ملموسة. نعم، هناك من يدعمُ ويشجع، ويعلم أن أي إنجازٍ نقوم به هو رفعةٌ للجميع، لكن لا يزال هناك -أغلبية ساحقة- مثبطون حسودون، لا يريدون لأيّ أحد تحقيق أيّ نجاحٍ لا يمثلهم، وكأنّ بقيّة النجاحات من الآخرين هي نجاحاتٌ شخصيّة ولا تخدم المؤسسة أو الوطن.

لن نمضيَ قدماً إلا إذا تخلينا عن الحسد والـ “أنا”، وبدأنا نفكر بعقلية الفريق والـ “نحن”. يجبُ أن نفرح بإنجازات الآخرين ونفخرَ بها “حتى وإن اختلفنا مع البعض على المستوى الشخصي”، فالمحصّلة النهائية: منفعة للجميع.

هذه فكرةُ عامّة، وتحليلٌ للوضع الحاليّ، لا يعني بأيّ حالٍ أن نركن أو نتعذَّر بهذه الظروف، ونجعلها سبباً لعدم نجاحنا. على الصعيد الشخصيّ، يجبُ أن نتعلم كيف نواجه هذه التعليقات السلبية، وتلك العقبات المتناثرة، لتحقيق أهدافنا. هناك قائمة طويلة من المهارات الشخصيّة التي يجبُ أن نتعلمها ونربي ذواتنا عليها (مهارات التواصل، كسب فريق العمل، التفاوض، تقديم التنازلات) وغيرها الكثير، التي تجعلنا قادرين على المضيّ رغم كل الظروف. كلّها يجب أن تكون مدعومة بعزيمة عالية، وإرادةٍ قويّة، نستمدها من ذواتنا، ومن دائرة صغيرة جداً من الثقات والأشخاص الجميلين في حياتنا. ملخص الموضوع: لا عذر أبداً لعدم النجاح.

دمتم بخير 🙂

كل مشاكلك من “ظنّيت” !

مما لا شكّ فيه أن الكثير من مشاكلنا اليوميّة “في العمل، والبيت، وبين الأصدقاء” هي بسبب خللٍ أساسيّ في التواصل “Communication Error”. تبادل المعلومة بين الأشخاص هي مرحلة معقّدة. لا تخرج المعلومة من عقلك، إلى لسانك، ثم إلى عقل الشخص الآخر مباشرة كما خرجت من عقلك. في طريقها هي معرّضة لسوء الفهم والتحليل. هناك دائماً معوّقاتٌ للتواصل: حاجز اللغة، اختلاف الفهم للغة الجسد، اختلاف التحليل للكلام والمعلومة، نسيان بعض أجزاء الرسالة، وغيرها الكثير.

لاستعراض أهميّة وضوح المعلومة، وخطورة أخطاء التواصل، سأتعرض هذا المثال من المجال الطبّي:

يأمر الطبيب الممرضة بتصويم المريض عن أيّ شيء بعد منتصف الليل، تجهيزاً للعملية في الصباح التالي. الطبيب يظنُّ أنه من الأبجديات أن الصيام يستثني دواء الضغط “الضروريّ”. الممرضة -امتثالاً لكلام الطبيب- تلتزم بتصويم المريض عن كلّ شيء، ظنّاً منها أن الأدوية جزء من الموضوع. في الصباح، الطبيب جاهز للعملية، لكن للأسف ضغط المريض مرتفعٌ جداً بسبب تخلفه عن أخذ حبة الضغط. النّهاية: يتمُّ تأجيل العمليّة.

هذا مثالٌ لفجوة في التواصل. الطبيب “ظنّ” شيئاً، والممرضة “ظنّت” شيئاً آخر. كلى الطرفين له الحقّ في التمسك برأيه، لكن في نفس الوقت، كلاهما أخطأ لأنّه غلّبَ “الظن” على “اليقين“. كان من المفترض أن يكون الطبيب أكثرَ تحديداً في رسالته، وكان من المفترض أن تكون الممرضة مبادرةً بالسؤال عمّا هو غامض.

في المجالات الحيويّة، وحينما تكون حياة النّاس على المحك “مجال الطيران، الهجمات العسكريّة، علاج المرضى والعمليات الجراحية..” فإن الخطأ في التواصل قد يؤدي إلى إنهاء حياة شخص، أو أشخاص عدّة. لذلك، لاحظوا في مجال الطيران مثلاً، فإن برج المراقبة يكرر على كابتين الطائرة نفس الرسالة أكثر من مرة، بكلمات سهلةٍ وبسيطة، وبجملٍ قصيرةٍ ومفهومة. وفي حال وجودِ شكّ “ولو بسيط” عندَ أحد الطرفين، فإنّه -بكلّ بساطة- يعيد السؤال، إلى أن يتأكد من المعلومة، أو يصححها.

وعودة إلى حياتنا اليومية، كثيرٌ من المشكلات تنشأ بسبب سوء في التواصل، وعدم وضوح في تبادل المعلومات. قد لا تصلِ لمرحلة تهديد حياةِ أحد الطرفين، لكنّها بكل تأكيد قد تؤدّي إلى تنغيص اليوم على كليهما. لا عيبَ أبداً من التحدّثِ بأسلوب واضح، وطلبِ الأشياء بطريقةٍ سهلة. كما أنّه لا عيب -في المقابل- من الاستفسار عن غموضٍ في أحد هذه المعلومات “إن لم تكن واضحة”. الوضوح وإعادة السؤال، أفضل من أن ينتهي المطاف بـ “ظنّيت“.

دمتم بخير 😊

بوصلة داخليّة

أؤمن أن الأشخاص الذين يعتمدون على تقييم ذواتهم بأنفسهم، ويقومون بالنّظرِ إلى أنفسهم دون الاستناد لآراء الناس وموافقتهم وتأييدهم في كلّ خطوة أو قرار، هم أشخاص رائعون، أصحاب إنتاجيّة مستمرة مهما تغيرت الظروف. يُعرف هؤلاء الأشخاص أحياناً بالـ “Introverts”.

الـ “Introversion” هي سمة من سمات الشخصيّة: تعني أنّك تسمدّ طاقتك من داخل ذاتك، من مبادئك الخاصّة، وتحت منظار قناعاتك الشخصيّة، وإن لزم الأمر لتأثيرٍ خارجيّ، فيكون من دائرة صغيرةٍ جدّاً من الأصدقاء. الأساس أنّ هؤلاء الأشخاص يشحنون طاقتهم عندما ينفردون بأنفسهم، والعكس صحيح، الوجود ضمن مجموعة كبيرة يستنفذ طاقتهم. الترجمة الحرفيّة لها تعني: الانطوائيّة، وأعتقد أنّها مجحفةٌ إلى حدّ ما.

الـ “Extroversion” على الجهة الأخرى، تعني أنّ الشخص يستمدُّ طاقته ممّن حوله. هم أشخاصٌ اجتماعيّون جداً، مهاراتهم في التواصل مع النّاس قويّة وعالية. لكنّهم في حاجةٍ إلى دعمٍ وتأييدٍ مستمر من الجميع. الترجمة الأقرب لهذه السمة هي: الانفتاحيّة.

طيب، أهل أنتَ من الـ “الانطوائيين” أو “الانتفاحيين”؟ الجواب ليس بهذه البساطة، فأكثر الناس يقعون في منطقة في المنتصف. على ما يبدو أنّ سمات الشخصيّة تقع ضمن نطاق كبير، الانطوائية في قطب، والانفتاحيّة في قطب آخر. لا بدّ طبعاً أن تكون منحازاً إلى جهةٍ أكثرَ من الأخرى.

الحديثُ في تفاصيل الموضوع يطول. لكن من الجيّد أن يعرف الشخص أين يقف ضمن هذا النطاق. لأنّ لكل سمةٍ من هذه السمات فائدة، ولكلّ شخصيّةٍ مواطن قوة ومهارات مختلفة. السؤال الأهم: هل أستطيع التحرّك من جهة إلى أخرى؟ الحديث نظريّ، لكن أعتقدُ أنّه صعبٌ جداً للأشخاص الواقعين في طرفي النطاق “Pure Introverts and Pure Extroverts”. لكن وبما أن الأغلبيّة من الناس يقعون في منطقة ما بينهما، فإنّ التغيير ليس مستحيلاً، خصوصاً خلال مرحلة تكوين الشخصيّة.

من الجيّد أن تكون ذا بوصلةٍ داخليّة، لستَ بحاجة إلى رأي النّاس بشكلٍ مستمر. كلام النّاس السلبي في قراراتك وإنجازاتك لا يؤثر عليك بشكلٍ مباشر. ورائعٌ أيضاً أن تكون ذا مهارات تواصلٍ قويّة، قادرٌ على احتواء الناس، ومؤثرٌ عليهم. المرونة بين الحالتين، والقدرة على اكتساب مهاراتٍ جديدة، والتغييرِ في ذاتك والتكيّف حسب الظروف هي من أكبرِ عوامل النجاح في نظري.

الأفكار عائمة اليوم، لكن أتمنى أنكم قد وجدتم شيئاً مفيداً.

دمتم بخير 😊

الذكاء أو المثابرة؟

دائماً يأتي على بالي هذا السؤال. إذا يوماً كان في يدي قرار توظيف، وكانت الخيارات النهائية بين شخصين: أحدها حادُّ الذكاء، والآخر مثابرٌ ومجتهد، فمن أختار؟ طبعاً الأمور ليست بهذه البساطة، فـ “الذكيّ” الذي تقّدم للوظيفة ليس إنساناً كسولاً/لا مبالياً، و”المثابر” ليس شخصاً غبيّاً بلا ذكاء. هنا تأتي الصعوبة.

قبل فترة كنت أقرأ كتاب “Outliers” للكاتب “مالكوم جلادويل”. يتحدّث الكتاب عن الأشخاص الناجحين والاستثنائيّين، وكان يدرس الأسباب التي جعلتهم كذلك في مجالاتهم. ملخّص الكتاب أنّ كل نجاح استثنائيّ هو نتيجة لـ 1- الحدّ الأدنى من المهارة/الذكاء المطلوب. 2- استغلال الفرصة فورَ حصولها/توفر البيئة المناسبة لتنمية المهارة. 3- استثمار وقتٍ كافٍ لتطوير هذه المهارة أو العلم “يُؤمن الكاتب بقانون الـ 10 آلاف ساعة، حيث أنّ أيّ مهارة، تحتاج إلى 10 آلاف ساعة من الممارسة لتكون من الاستثنائيين في هذا المجال”. ولإثبات أهميّة هذه العوامل الثلاثِ مجتمعة، استشهد الكاتب بالكثير من الأمثلة لشخصيات استثنائيّة حققوا هذه الشروط الثلاث: الفرقة الغنائية البيتلز(The Beatles)، بيل غيتس- مؤسس مايكروسوفت -، والفيزيائي النظري جاي روبرت اوبنهايمر، وغيرهم الكثير.

و خلال استعراض هذه الأمثلة، يحاول جلادويل إثبات هذه النظرية. الحديث حولها يطول. لكن للإجابة عن السؤال في أوّل التدوينة، سأستعرضُ أحد أفكاره. يرى الكاتب أن الزيادة في مستوى الذكاء والعبقريّة”IQ” لا يتناسب طرديّاً مع احتماليّة نجاحك. ولإثبات ذلك، يستعرضُ جلادويل قصة كريستوفر لانغان، صاحب معدل الذكاء الخارق (195)، الذي انتهى به المطاف للعمل في مزرعة أحصنة في منطقة ريفيّة في ولاية ميسيروي. آينيشتين على الجانب الآخر، الذي يعدُّ من أكبر أعلام الفيزياء في هذا الزمان يمتلك معدل ذكاء لا يتجاوز الـ 160.

أي: زيادة في الذكاء، لا تعني احتماليّةً أكبرَ في النجاح، أو إضافةٍ أكبرَ لفريق العمل. الكثير منّا قد مروا بتجارب مع أشخاص حادّي الذكاء، أصحاب عقليّاتٍ خرافيّة، لكن ينقصهم الكثير من المهارات الأساسية للنجاح في أيّ مكان.

أعتقد بأن المثابر، المستعد للعمل الدؤوب لكي يحقق ما يريد، الباحث باستمرار عن المهارات والعلوم الأساسيّة لتطوير ذاته، هو إنسان أهم بكثييييير من صاحب معدّل الذكاء الأعلى. رأيتُ هذا خلال دراستي، ومسيرتي العلميّة والعملية القصيرة، وأراها كأفكارِ ونظريّات بين علماء النفس، وكتّاب السير.

هذه الفكرة تبعثُ على الطمأنينة بشكل كبير. حيث أنّ الذكاء “كغيره من الخصائص الممنوحة”، لا تضاهي الخصائص المكتسبة “كالاجتهاد والمعرفة”. فالنّجاح وتحقيق الأمنيات في يدِ الجميع. كلّ ما عليك أن تجتهد أكثر. طبعاً: ستكون محظوظاً إذا اجتهدتَ بذكاء!

دمتم بخير 😊

آسف!

 
كنتُ أظنُّ فيما مضى أن كثرةَ الاعتذار من علامات ضعف الشخصية. عندما أقول “آسف”، فإني أقرُّ بخطئي، وأعترف بتقصيري، وأبرهن لمن هو أمامي أنّه على صواب، وأنّه قد ربح هذه الجولة، فأنا قد أعلنتُ بـ “آسف” خسارتي.
 
لكن مع مضيّ السنين، اكتشفت أنّ الموضوع ليس معركةً كما كنتُ أظن، وأنَّ “آسف”: علاج! تنهي أكثر المشاكل، وتحلّ أكثر الأزمات. إذا اتجهت إليك أصابع الاتهام في موضوع ما (في عملك، مع أصدقائك، في بيتك ومع زوجتك)، فإنّ الدخول في جدالٍ عقيمٍ لن يقوم بحلّ المشكلة. كبرياؤك لن ينهي الحوار، ولن يوصلك إلى أيِّ شيءٍ جيد. عنادك قد يعطيك شعوراً أنّك قد ربحت الجولة، لكنّك -يا عزيزي- قد خسرت المعركة
 
من قناعة: أقول لكم بأن أكثر الحوارات والمشاكل لا تستحق العناد. تسجيلُ موقفٍ بالرّفض أو الشجب والاستنكار، لن يزيدك شيئاً. محاولة التغيير لا تحدثُ أبداً في حرارة النقاش. إن كنت تريدُ -فعلاً- أن تحدث التغيير، فإن تجنّب العناد هو الحل، والحديث عن الموضوع لاحقاً -عندما تهدأ الأمور- سيكون أكثر حكمة وفائدة.
 
اكتفاؤك بـ “أنا آسف” كفيلٌ بحلّ كثيرٍ من مشكلاتك، وإنهاء كثيرٍ من الحوارات المزعجة. إنها لا تكلّفك شيئاً. صدقوني، كرامتكم محفوظة، لا تسقط أو تنقص باعتذاركم. بالعكس، الاعتذار يأتي من ثقةٍ بالنّفس، واعتزاز بالذات. فقط الواثقُ من ذاته هو من يعتذر، لأن اعترافك بالخطأ لا يعني أنّك أقلُّ مصداقية، أو أضعفُ شخصيّة، فرأيُ النّاس فيك لا يهم “دائماً”، والإنسان ليس معصوماً من الخطأ. 
 
please-accept-my-apologies
 
انظر للمواقف التي اعترفت فيها بخطئك، واعتذرت من تقصيرك، تذكّر كيف جرى الحوار بعدها! من الصّعب أن يستمرّ الذي كان يلومك بالتوبيخ، فـ “آسف” كفيلة بإخماد نيران الغضب.
 
عوّد نفسك على الاعتذار من أي أحد أخطأت في حقه، أو إن قصّرتَ في مهمّة، أو تجازوت في ردّة فعل. لا بأس، فـ “آسف” ليست نهاية الدنيا. يجبُ أن نعوّد أبناءنا على الاعتذار، ونتوقف عن زرع الغطرسة في دواخلهم. لكن يجب أن نكون حذرين مع الآطفال، فالإسرافُ في الاعتذار قد يقودهم إلى ضعف الشخصية، لإعتقادهم بأنّ كلّ ما يقومون به خطأ، وأنهم في فشلٍ مستمر. فالحذر مطلوب، لا إفراطَ ولا تفريط.
 
شخصيّاً، خلصتني “آسف” من كثيييييير من المشاكل، وأنقذتني من كثيييييرٍ من النقاشات الطويلة. أنصحكم بالاعتذار أكثر، ففي “آسف” مع نظرةٍ واثقة، الكثير من راحة البال.
 
دمتم بخير 🙂
 
 

التربية بالفزعة

قبل يومين، عندما كنت أجول في مكتبة جرير مع ابنتي لشراء بعض قصص الأطفال، طرأَ على بالي تساؤلٌ غريب! ديمة الآن تجاوزت عامها الثاني، الآن بدأ تكوينها العقلي والشخصي، هي البِكر في عائلتنا الصغيرة، أي أنّها حقل التجارب للتربية “كان الله في عونها”.

لكن التجارب العشوائية، المبنيّة على حسن النيّة فقط، دون الاستنادِ لقاعدة محترمة من المعرفة أو التجارب السابقة، هي كاليانصيب، يا تصيب أو تخيب، تماماً كرميِ العملة النقدية. سألتُ نفسي: متى آخر “أو حتى أوّلُ” مرةٍ اقتنيتُ فيها كتاباً عن التربية، أو حضرتُ ندوة أو دورةً تدريبيّة عن تنشئة الأبناء، أو قمت بتفقد المحتوى العربي أو الإنجليزي في التعامل مع الأطفال “YouTube, TED..”؟!!

على ما يبدو: لم أقم بأيٍّ منها. كلُّ اعتمادي كان على حسنِ نيّتي: سأكون قرب ابنتي في أكثر الأوقات، وسأعطيها كلَّ جهدي، وجلَّ اهتمامي. لكن هذا فقط لا يكفي. التربية ليست مجرد “فزعة“، هي علمٌ قائمٌ بحاله، فيه أشخاصٌ مختصون، وآخرون بتجارب رائعة.

تذكّرت ملاحظة قدييييمةً جداً تعودِ لأيام الجامعة، قمت بكتابتها لتسجيل أفكارٍ جميلة لتربية الأبناء، أضيفُ فيها كلّ ما يستحق التطبيق، أبنيها بهدوء على مرّ السنين، لتكون قاعدة جميلة أستند عليها في المستقبل لتربية الأبناء. كانت من أحلامِ الشباب، لكنّي نسيتها مع مرور الحياةِ وظروفها. تزوجت، ورزقت بـ “ديمة”، وأنا إلى الآن في نسيانٍ تام لأهميّة هذا الموضوع. الأهداف الأخرى في حياتي استحوذت على هذا الجانب المهم.

مقصّرٌ في هذا الجانب، وسأحاول إعطاءه المزيد من الوقت والتركيز. سأكون حذراً كذلك، لأنّي لا أؤمن بالمثاليّة الزائدة في التربية “التي يسوّق لها بعض المربّين“. وسأكتب عن هذه النقطة في تدوينة لاحقة بإذن الله.

في حياتكم تجارب ناجحة، أو كتب رائعة في تربية الأبناء؟ شاركوني إياها لتعم الفائدة.

دمتم بخير 😊