قيل قديما: “الناس أعداء ما جهلوا“، وهذا صحيح. ففي مجتمعنا على وجه التحديد: نعارِض أيّ جديدٍ يطرأ على الساحة (تقنية، فكرة، مبادرة ..). نُفني وقتنا وجهدنا في محاربتها، ومحاولة صدّها، وكأنَّ هلاكنا وانتهاءنا سيكونُ على يدها.
عندما أتكلم عن حربها فإنّي أقصدُ معاداتها بالدين “الفتوى”، أو بالفكر “الرفض”. لا نتروّى أبداً، ولا نعطي أنفسنا الفرصة لاستكشافِ ما فيها من خيرٍ فنستفيد منه، وما فيها من شر، فنقوّمُه، أو نلغيه!
الأمثلة كثيرة، وقديمة. على طرف بالي: جوالات الكاميرا والبلوتوث في بداية نزولها. تحلّق مجموعةٌ من طلاب العلم المجتهدين حول شيخهم، وبدؤوا في سردِ العيوب والمصائبِ اللي تأتي من وراها. كان السؤالُ في مجلس الشيخ من ذاك المجتهد: “ما رأيك يا شيخ بجهاز يكشفُ العورات، ويحفظُ الصّورَ الخليعة، ويحثُّ على الرذيلة، ويلهي عن الصلاة والذكر و….” وقائمة طويلةٍ من عيوب الاستخدام. ما كان من الشيخ (لقلة علمه بهذه التقنية، وكونه لا يعرف عنها إلا ما سمعه من طلابه) إلا أن أصدر فتوى بتحريم اقتنائها وبيعها !! والحقيقة أنّ هذا الشيخَ غير ملام، وملامٌ جزئيّاً في ذات الوقت. فالفتوى تعتمد على تحريم ما تمّ إعلامه به (والحكم واضح من صيغة السؤال). لكن هو كذلك مطالب بمعرفةِ مصداقيّة النّاس وطلبة العلمِ من حوله، والتأكّدِ من جميعِ أوجهِ السؤال (حيثُ أنَّ النظرة الضيّفة التي تمَّ تقديمُ السؤال فيها غير وافية، وليست عادلة). وبالمثالِ يتضّحُ البيان. أستطيعُ أن أسأل عن حكم جهازِ يُستخدم لتكبيرِ صوت الغناء، وإحياءِ الحفلات الماجنة والمختلطة، وتسجيل المنكرِ، ونشرِ الرذيلة وووو. لِزامٌ على الشيخ (إذا اكتفى بكلامي فقط) أن يحرّمَ المايكروفون الذي يستخدم لرفع صوت الأذان والصلاة، وتسجيل المحاضرات الشرعيّة، وإقامة الندوات المفيدة وغيرها من الاستخدامات المشروعية والمباركة!
هذا مثال للرفض الديني. والأمثلة للرفض الفكري كثيرة جدّاً.
الذي أريدُ أن أقوله: دعونا نعد للـ 10 قبل أن نطلق أحكامنا “جزافا”، ونرفض كل جديد. لا أحاول أن أقنعكم بقبول كلِّ شيء، لا! هكذا نكون أهملنا العقل والمنطق. القبول التامّ لكل شيءٍ جديد هو بذات الخطورة، أو أشد. لا يجب أن نكون كذلك إمّعات مقلدين، منسلخين من كلّ دينٍ ومبدأ. لكن يجب أن نتروّى، ونحكم بعين المنصف، ونستأنسَ برأيِ الخبير، ونسمع تجاربَ من سبقونا، ثمَّ نُصدرُ حكماً عادلاً متّزناً، دون إفراط او تفريط!
دمتم بخير 😊